جيني غوسطافسونكتابة
جيني غوسطافسونتصوير
رنا حسنبحث
نسرين كاجتحرير
فوزي يمينترجمة
يشرف شهر أغسطس على نهايته، حين يشرع الناس في أنحاء سوريا ولبنان وأماكن أخرى في صنع المكدوس المحبوب للغاية – المكدوس هو عبارة عن باذنجان صغير محشو بالجوز والفلفل الحار، يُغطّى بزيت الزيتون، ويُحفظ لموسم الشتاء البارد.
تقول صفاء وهي تشير إلى الخضار التي تمّ إحضارها من الحديقة: “بلّشنا بالفعل بتحضير الباذنجان، وعم نغليه شويّ ورح نستخدمو اليوم. أوقات إذا كان عنّا كمّيات كبيرة منّو، منطبخو بطنجرة برّا البيت على الموقدة.”
رغم أنّه عند السلق يصبح مظهره غير ملفتًا للنظر – بنّي اللون وباهت ، مجردًا من بريق قشرته، إلّا أنّ الباذنجان هو النجم الحقيقي للمكدوس.
المشهد في حديقة صفيّة عبد الناصر العساف الصغيرة (الملقّبة بصفاء) قرب قبّ الياس في سهل البقاع، يشير بوضوح إلى ما يجري داخل منزلها. قطع صغيرة من الباذنجان متروكة لتجفّ في زاوية مشمسة، بجوار وعاء كبير طافح بنوع الخضار نفسه.
يخرج اثنان من أبناء صفاء، أسينا ومنيسا، من الباب ويبدآن بنقل الباذنجان إلى الصناديق قبل حملها إلى الداخل. والدتهما موجودة هناك، وكذلك جدّتهما باشا محمود العبد الله، الجالسة بالقرب من النافذة في غرفة المعيشة الكبيرة، تضع يديها على حجرها، وتنتظر بهدوء بينما تتنقل صفاء ذهابًا وإيابًا لإحضار الاوعية والجرار وغيرها من المعدّات.
تقول وهي تضع الأغراض بجانب والدتها: “عم نعمل أوّل دفعة من المكدوس لهيدي السنة”.
“نحنا منزرع تلات أصناف من الباذنجان”، يقول زوج صفاء، حسن محمد العساف، “الصنف الرئيسي إسمو التطفي، وصنف أحمر أو قرمزيّ إسمو الماسي، وصنف أبيض”. ثمّ يعرض على هاتفه صوراً للخضروات ملتقطة في قطعتَي الأرض اللتين تزرعه فيهما الأسرة، على مسافة ليست بعيدة من المكان الذي يعيشون فيه. إحداهما عبارة عن حقل يستأجرونه لأنفسهم، بينما الأخرى عبارة عن قطعة أرض أكبر يتقاسمونها مع أعضاء الجمعية التعاونية الزراعية “رزق الوفق”. الزوجان وأطفالهما، الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و15 عامًا، جاؤوا من إدلب في شمال غرب سوريا وهم يعيشون في لبنان منذ عام 2014، وذلك بعد عامين على بدء الحرب في بلادهم.
“تعوّدنا نجي على لبنان قبل هيدا الوقت بكتير”، تقول صفاء: “كنا نشتغل بالموسم هون، ونضلّ تقريباً ثمانية أشهر كلّ مرة”.
وفق توصيفات نباتية صارمة، يُعتبَر الباذنجان من أنواع “التوت”، وهو من أقارب الطماطم والبطاطس ويأتي بأشكال مختلفة. ربما يكون الباذنجان القرمزيّ السمين هو أول صنف يتبادر إلى الذهن، لكن هناك الكثير غيره من الأنواع. فالبعض منه صغير الحجم، والبعض الآخر قد يصل وزنه الى كيلوغرامين. هناك الباذنجان ذات القشرة الزرقاء أو الخضراء اللون، وهناك الباذنجان ذو اللون الأبيض الحليبي (ومن هنا يأتي اسمها بالإنجليزية “نبتة البيضة”). أمّا الأصناف المطوّلة فتحظى بشعبيّة في الصين، حيث أنّ “البرنجال المصغّر” وهو الاسم الشائع للباذنجان في شبه القارة الآسيوية، يُزرَع في أجزاء من الهند.
كما يُزرع، في كافة أنحاء البحر الأبيض المتوسط، حفنة من الأصناف الشائعة التي يتم استخدامها لأغراض مختلفة.
بدأتْ بحشو المكدوس بمساعدة والدتها. يقشّران الثوم حتى يصبح لديهما جبل صغير من الفصوص البيضاء، ثم يضيفانه إلى الجوز المفروم، والفلفل الأحمر المجفّف بالشمس في الحديقة تماماً مثل قطع الباذنجان.
“مرّة من المرّات، استخدمنا الفول السوداني بدل الجوز”، تقول صفاء: “كان هيدا بإيّام الحرب وقتا ما قدرنا نحصد وما كان الجوز متوفّر”.
أيّاً كانت الظروف، يبقى المكدوس من أشهر أنواع الأطعمة المحفوظة، “المونة”، المصنوعة في سوريا ولبنان والدول المجاورة. ويشمل مصطلح “المونة” أيّ من الأطعمة المحفوظة بدءًا من الأعشاب المجفّفة والأجبان إلى مربّى البرتقال والمخلّلات المنعشة، ويأتي من كلمة “موّن” التي تعني التخزين. والغاية من وراء “المونة”، هي جمع ما يوفّره الموسم وحفظه لوقت لاحق.
المرة الأولى التي جاءت فيها إلى وادي البقاع كانت في الثانية عشرة من عمرها, مثل والدتها من قبلها. كانوا يأتون مع العائلة ويعملون ويحصدون المحاصيل مثل البطاطس والشمندر في المنطقة نفسها التي يعيشون فيها الآن.
تقول صفاء: “بذكر كنت إمشي بالحقل وكان الشمندر أطول منّي”.
في كلّ عام كانوا يقومون بالأمر نفسه: يأتون في بداية الموسم، يعملون معًا، يدّخرون مكاسبهم، ثمّ يعودون إلى سوريا حين ينتهي الحصاد الأخير.
تقول صفاء: “قبل ما نرجع، كنّا نحن النسوان نروح على بيروت ونشتري غراض للبيت – بطّانيات، صحون، كبّايات، وشراشف للتخوتة – لأنو كانت كلّها أرخص وأحلى من يلّي منلاقيه عنّا بسوريا“.
إنّ العديد من المناطق المختلفة لها تقاليدها الخاصة، معتمدة بذلك على طقسها وما ينمو في أرضها. فبعلبك، بصيفها الحار والجاف، تصنع الكشك المخمّر. وتنتج منطقتيّ راشيا وحاصبيا الجبليتين مربّيات الفاكهة ودبس العنب. ويتوفّر في شمال لبنان الزعتر بكثرة، والزيتون الذي يتمّ عصره لإنتاج الزيت في معاصر الزيتون المحلّية. وعادةً ما ينتج الجنوب ماء الزهر وكمّيات ثمينة من الزيوت العطريّة المركّزة، كما ينتج الفريكة والعديد من خلطات الزهورات.
وفي سوريا، كما أشار ابن خلدون في القرن الثاني عشر، يتمّ تحويل الوردة الدمشقيّة إلى ماء ورد ومشروبات ورديّة. كما يحظى الشنكليش القديم الملفوف بالفلفل الحارّ، بشعبية كبيرة على امتداد الساحل السوري، وغالباً ما يتمّ تقديمه في السلطات مع الطماطم والبصل وزيت الزيتون.
لقد تمّت ممارسة حفظ الأطعمة في هذه المنطقة لفترة طويلة جدًا. تشير الأدلّة إلى أنّ الناس كانوا يقومون بتجفيف الأطعمة في الشمس منذ 12000 عام قبل الميلاد. باربرا مسعد، الطاهية والمؤلّفة، تصف “المونة” بأنها “تقليد حيّ” يتمّ الاستمرار في صقله “عبر الأجيال من خلال الثقافة والإبداع”. وتقول إنها “العناصر الأساسية” لتراث الطهي في لبنان. وهذا ما ينطبق بالمثل على سوريا التي لها مع لبنان تاريخ مشترك.
غالبًا ما تكون الوصفات بسيطة – التجفيف في الشمس، التغطية بالملح، والغمر بزيت الزيتون – ولكن النتائج الجيدة لا تتحقّق إلا عند إتقان هذه العمليّة، الأمر الذي يتطلّب المشاهدة، المحاولة، ثمّ الإعادة مرارًا وتكرارًا.
تقوم صفاء أحيانًا بتجفيف الأوراق الصغيرة ووضعها في اليخنة مع الحمص. وتستمرّ في وصف العديد من الطرق الأخرى التي تستخدمها لطهي الباذنجان: مشوي في الفرن مع الفلفل والكوسا واللحوم؛ محمّص ومهروس إلى متبّل مدخّن؛ يُطهى مع البقدونس والطماطم والثوم والكمّون لصنع طبق يُسمّى المخبّص.
تقول: “حتى إنّو منعمل مربّى من الباذنجان، وهوّي نوع زغير محمّر، منقشّرو ومنغليه مع السكّر والميّ”.
يُضاف إلى تلك الأطباق المحلية التي تتميز بها المناطق، أطباق مثل المقلوبة أو اليلنجي، ومكوّنهما الرئيسي هو الباذنجان. يحظى الباذنجان بشعبيّة كبيرة في معظم أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط، حيث وصفاته لا تُحصى ولا تُعدّ. فكتاب الطبخ السوري الذي يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر، “كتاب الوصلة إلى الحبيب”، يذكر خمس عشرة وصفة للباذنجان، بما في ذلك التخليل والطبخ والحشو والقلي.
لكن ربما أكثر من أيّ “مونة” أخرى، ترتبط سوريا بالمكدوس. والتسمية تأتي من كلمة “تتكدّس”، التي تشير إلى كيفيّة تكديس الباذنجان في الجرّة.
في مطبخ صفاء، تمتلىء جميع الرفوف بالجرار، بعضها يحتوي على الزيتون والبعض الآخر على البهارات أو منتجات الألبان الخاصّة بها.
تقول “عنّا عنزة، بالعادة بتولّد بفصل الشتي، بتعطينا الحليب ومنصنّع منه اللبنة والجبن”.
كما أنّ صفاء تحفظ الخضروات مثل الكوسا والفاصوليا الخضراء، وتصنع معجون الطماطم والمربّيات بنفسها. وهكذا من خلال خزّان المونة الخاص بها، يمكنها بسهولة إعداد العديد من الوجبات الكاملة.
تقول: “بفصل الشتي ما منشتري شي أبدًا، منأكل من مونتنا”.
في غرفة المعيشة، تساعدها بناتها على إزالة الأوراق العلوية من الباذنجان المسلوق، ويأكلونها كوجبات خفيفة معتبرين أنّ طعمها يشبه إلى حدّ ما نكهة الأرضي شوكة.
وقد تمّ ذكر فوائد صحّية مختلفة للباذنجان في النصوص الصينية القديمة، منها أطروحة حول “الغذاء الآمن” كتبها اختصاصي التغذية إلى الإمبراطور المغولي عام 1330. كما تصف الوثائق السنسكريتيّة المبكّرة في الهند الباذنجان، مطلقة عليه أسماء مثل شاكاسريشتا، والتي تعني “الخضار الممتاز”، أو راجاكيشمند، أي “البطيخ الملكي”.
في نهاية المطاف، وبعد فترة طويلة من وصوله لأول مرة، عاد الباذنجان إلى البحر الأبيض المتوسط بأشكاله المزروعة الجديدة. جلبه معهم التجار المسلمون في القرنين السابع والثامن، وانتشر في اتجاهات مختلفة من البحر. ذكر ابن عوام، وهو زراعي بارز من إشبيلية في العصر الإسلامي، أربعة أنواع من الباذنجان في كتابه الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر بعنوان “كتاب الفلاحة”: السوري، المصري، “المحلّي” والقرطبي.
وفي المناطق المجاورة مثل البلقان وأرمينيا وجورجيا، يقوم الناس بطهي الباذنجان بطرق مماثلة. فصلصة طبق البخالي (كرات السبانخ) الجورجيّ تُعدّ من الجوز ولبّ الباذنجان، ويحتوي “كافيار البلقان” أحيانًا على الباذنجان المشوي. بخلاف ذلك، تُعدّ الصين أكبر دولة لزراعة الباذنجان في العالم، والعديد من مناطق الهند (حيث يُشار إليها بإسم “ملكة الخضروات”) تستخدم الكثير من الباذنجان في طهيها.
كما كانت الصين أيضًا نقطة الانطلاق لرحلة إدخال للباذنجان المزروع إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط. وقد نما سلفه البري منذ فترة طويلة في أفريقيا، ومن هناك انتشر عبر الشرق الأوسط ووصل إلى الصين، حيث تمّ تدجينه في وقت ما قبل العام صفر. وقد تمكّن المهندسون الزراعيون الصينيون من تحويل هذه النبتة من إنتاج ثمار صغيرة خضراء إلى إنتاج باذنجان كبير طويل العنق ذو قشرة قرمزيّة.
ربما نتجت التشكيكات بهذا الخضار عن انتمائه إلى فصيلة الباذنجانيّات، حيث يكون بعض أجناسها سامًّا جداً. في أوروبا، تتعلّق هذه المسألة بارتباطه بالطبخ اليهودي، حين أُجبر اليهود في إسبانيا على التحوّل إلى المسيحية أو الفرار، حيث انتشرت وصفات الباذنجان مع نزوحهم، ونظرًا لاستمرار المشاعر المُعادية لليهود، وُسم هذا الخضار بـ”صورة مرتبطة بالتهميش الاجتماعي والثقافي”.
لكن خلال رحلته هذه، خاض الباذنجان معركة شاقّة. فقد قُوبل بالتشكيك منذ وقت مبكر. وكان هناك العديد من النظريّات حول آثاره الضارّة المحتملة، مثل الحمّى أو الاكتئاب أو حتى الجنون (أُسيء تفسير الإسم باللغة الإيطالية “ميلانزانا” على أنه “ميلا إنسانا” أي تفّاح مجنون). كما ذكر الكتّاب الفرس التاريخيون أمراضًا وحالات مختلفة من المفترض أنها ناتجة عن تناول الباذنجان. وكتب ماتيوس بلاتاريوس، من كلّية الطبّ في ساليرنو في إيطاليا الحالية، أنّ مرارة الباذنجان وحدّته يمكن أن تسبّبا مزاجًا غاضبًا أو اكتئابيًا.
هنالك حكاية شعبية تركية، تُروى بصيغ مختلفة، تتحدث عن ظهور الـ”إمام بايلدي”، أي “الإمام المغميّ عليه”، وهو طبق شعبي من الباذنجان يحتوي على الكثير من زيت الزيتون. تقول القصّة (بإحدى صيغها) إنّ إماماً تزوّج ابنة تاجر زيت، فأحضر لها اثنتي عشرة جرّة من أجود أنواع زيت الزيتون مهراً لها. واستمرّ إعداد الباذنجان للعروسين كلّ ليلة، حتى أتى اليوم الثالث عشر حيث لم يصلهم باذنجان. عندما سمع الإمام أنّ زيت الزيتون قد نفد، أغمي عليه.
في غرفة المعيشة، انتهت صفاء بمساعدة والدتها من تحضير الحشوة، وبدا أنّ لديها كمّية أكبر من حاجتهم لهذا اليوم، لذلك ستقوم بحفظه لاستخدامه في أطباق أخرى.
وفي شرق البحر الأبيض المتوسط، كان الأتراك قد ترعرعوا على حبّ الباذنجان ربما أكثر من أيّ شعب آخر. وقد استغرق الأمر حتى القرن الثامن عشر، ليصبح الباذنجان أخيراً الخضار العثماني بامتياز. يُقال إنّ الباذنجان المحشي المطبوخ في مطابخ القصر في إسطنبول كان يُرسل كهدايا إلى جميع أنحاء المدينة التي كانت تحوي على ما لا يقلّ عن خمسين متجرًا في القرن السابع عشر، معروفة باسم “دولماتشي”، ومتخصّصة بالخضار المحشوّة. كان الباذنجان يُعرف باسم تارلا باليجي، ويعني “أسماك الحقول”. وفي مرحلة ما، تمّ قليه بكمّيات كبيرة خلال فصل الصيف ممّا سبّب بـ”باتليكان يانجيني” أي النيران الباذنجانيّة. وكانت الرّياح التي تهبّ عبر اسطنبول في أغسطس، وتؤجّج هذه الحرائق، تُسمّى “باتليكان ميلتيمي”.
“وكيف تعلّمتْ إمّك؟” تسأل إحدى الفتيات الجالسة بجانبهما مبتسمة.
تقول صفاء إنّ الشهرين اللذين يشكّلان موسم “المونة” هما أصعب أوقات السنة. عادةً ما تكون مشغولة من الصباح حتى المساء بالعمل في الحقول والمنزل، ولكن خلال موسم المونة، يزداد الشغل أكثر. تكسب العائلة اليوم المزيد من المونة عمّا كانت عليه في السابق عندما وصلت إلى لبنان ولم يكن لديها أرض.
“بهيداك الوقت عملنا مونة كمان، بس مش قدّ هلّق”، تقول صفاء: “كانو الغراض وقتا غاليين كتير”.
تقول: “رح حطّو بالفريزر ميشان بعدين أو إحفظو بوعاء مغطّى بالزيت”.
بدأت صفاء بإخراج الباذنجان الذي كان قد تمّ جلبه من الحديقة. كانت قد قامت مسبقاً بتقطيعه وتمليحه ، منذ أكثر من يومين، ثمّ تركته تحت ضغط وزن ثقيل حتى يتمّ تصريفه من الماء الموجود في داخله. وهذه خطوة حاسمة للحصول على القوام الصحيح للمكدوس النهائي.
تقول صفاء وهي تنظر إلى باشا: “تعلّمت صنع المكدوس من أمّي”.
تجيب الجدّة: “وأنا كمان تعلّمتو من إمّي”.
ومع وصول أعداد كبيرة من السوريّين الفارّين من الحرب، أصبح لبنان موطناً لأكبر عدد من اللاجئين بالنسبة لعدد السكان مقارنة بأيّ بلد آخر في العالم. غير أنّ هناك تاريخًا طويلًا من الهجرة بين البلدين، سواء كانت مؤقّتة أو طويلة الأمد. ربما قبل بدء الحرب في سوريا، كان يعيش في لبنان بالفعل نصف مليون سوري (من المستحيل معرفة عددهم بالضبط)، وكان العديد منهم يقومون بأعمال موسميّة مثل صفاء وعائلتها، وكان أكثر من نصف العمّال الزراعيّين في وادي البقاع سوريّين حتى قبل عام 2011.
يقول حسن: “بسوريا، ما رشّينا حقولنا أبدًا، دايمًا كنّا نزرع بهيدي الطريقة، ما كان في مواد كيميائيّة بضيعتنا”.
لكن معظم أفراد الجالية السورية في لبنان لا تُتاح لهم فرصة العمل بهذه الطريقة. والعديد منهم يعملون في الزراعة التقليدية التي يُوظّف فيها ما يقرب من ربع إجمالي السوريّين في البلاد، وهي قطاع غير رسمي إلى حدّ كبير.
في الوقت نفسه، تضع آخر حبّات الباذنجان في الجرّة وتملؤها بالزيت، دون أن تجعلها تطفح لأنّ حرارة الصيف تجعل الزيت يتفاعل وينسكب باستمرار. ستضع الجرة على صينية وتستمرّ في إعادة تعبئتها في كلّ مرة ينسكب منها الزيت، قبل أن تتمكّن في النهاية من إغلاق الغطاء.
إن إعداد المكدوس عملية تتطلب الكثير من الجهد والمواظبة.
تحاول الأسرة اليوم الهجرة إلى كندا في حال تمّت الإجراءات الورقيّة. وهم يخطّطون لمواصلة العمل في الزراعة بمهاراتهم وخبراتهم التي اكتسبوها هنا. تصرّح صفاء بأنه في حال ذهبوا، فإنّ الشيء الرئيسي الذي ستحضره معها إلى كندا هو المونة.
“رح آخذ كلّ الأكل اللي عملتو بإيدي. النعنع، المربّى على أنواعو، البامية، الباذنجان والمكدوس».